لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ : المولد النبوي الشريف بين الحقيقة و الوهم (2)


لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ : المولد النبوي الشريف بين الحقيقة و الوهم  

    • ما الدول التي تحتفل بالمولد النبوي الشريف؟..
    تحتفل دول عدة في العالم بذكرى النبي محمد حيث تعد هذه المناسبة عطلة رسمية في عدة دول على سبيل المثال: فلسطين،العراق،الجزائر، المغرب، سوريا، مصر، ليبيا، الأردن تونس، الإمارات ، الكويت وسلطنة عمان واليمن.

    • من أول من أحتفل بالمولد النبوي الشريف؟..
    الدولة الفاطمية:

    حسب الاستاذ حسن السندوبي فإنّ الفاطميين هم أوّل من احتفل بذكرى المولد النبوي الشريف، وفي سنة 488 هـ (تحت خلافة المستعلي بالله) أمر الأفضل بن أمير الجيوش بدر الجمالي بإبطال الاحتفال بالموالد الأربعة وهي المولد النبوي ومولد الإمام علي ومولد السيدة فاطمة الزهراء ومولد الإمام الفاطمي الحاضر
    وقد وصف الدكتور عبد المنعم سلطان في كتابه عن الحياة الاجتماعية في العصر الفاطمي الاحتفالات آنذاك فقال: "اقتصر احتفال المولد النبوى في الدولة العبيدية (الفاطمية) بعمل الحلوى وتوزيعها وتوزيع الصدقات، أما الاحتفال الرسمى فكان يتمثل في موكب قاضى القضاة حيث تُحمل صوانى الحلوى، ويتجه الجميع إلى الجامع الأزهر، ثم إلى قصر الخليفة حيث تلقى الخطب، ثم يُدعى للخليفة، ويرجع الجميع إلى دورهم

    الدولة الأيوبية:

    يذكر الإمام السيوطي أن أول من احتفل بالمولد بشكل كبير ومنظم هو الملك السني المظفر أبو سعيد كوكبري بن زين الدين علي بن بكتكين ( 549هـ/1153م - 630هـ/1232م) حاكم أربيل في شمال العراق في عهد صلاح الدين الأيوبي.
    والذي وثقه علماء السنة بأقوالهم:
    قال ابن كثير: «كان الملك المظفر يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالاً هائلاً، وكان مع ذلك شهمًا شجاعًا بطلاً عاقلاً عالمًا عادلاً »
    قال ابن خلكان في ترجمة الحافظ أبي الخطاب ابن دحية: «كان من أعيان العلماء ومشاهير الفضلاء، قدم من المغرب فدخل الشام والعراق واجتاز بإربل سنة أربع وستمائة فوجد ملكها المعظم مظفر الدين بن زين الدين يعتني بالمولد النبوي فعمل له كتاب (التنوير في مولد البشير النذير)، وقرأه عليه بنفسه فأجازه بألف دينار»
     وكان يعمل المولد سنة في 8 ربيع الأول، وسنة في 12 ربيع الأول، لسبب الاختلاف بتحديد يوم مولد النبي محمد.
    فإذا كان قبل المولد بيومين أخرج من الإبل والبقر والغنم شيءًا كثيرًا وزفّها بالطبول والأناشيد، حتى يأتي بها إلى الميدان، ويشرعون في ذبحها، ويطبخونها. فإذا كانت صبيحة يوم المولد، يجتمع الناس والأعيان والرؤساء، ويُنصب كرسي للوعظ، ويجتمع الجنود ويعرضون في ذلك النهار. بعد ذلك تقام موائد الطعام، وتكون موائد عامة، فيه من الطعام والخبز شيء كثير.
    ********

    • موقف العلماء من الاحتفال بالمولد النبوي الشريف:
    المؤيدون:


    1. السيوطي، حيث قال: "عندي أن أصل عمل المولد الذي هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسر من القرآن ورواية الأخبار الواردة في مبدأ أمر النبي وما وقع في مولده من الآيات ثم يمد لهم سماط يأكلونه وينصرفون من غير زيادة على ذلك هو من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها لما فيه من تعظيم قدر النبي وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف.
    2. ابن الجوزي، حيث قال عن المولد النبوي: "من خواصه أنه أمان في ذلك العام وبشرى عاجلة بنيل البغية والمرام.
    3. ابن حجر العسقلاني : " أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن السلف الصالح من القرون الثلاثة، ولكنها مع ذلك اشتملت على محاسن وضدها، فمن تحرى في عملها المحاسن وتجنب ضدها كانت بدعة حسنة، وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت،إلى أن قال : وأي نعمة أعظم من نعمة بروز هذا النبي.. نبي الرحمة في ذلك اليوم، فهذا ما يتعلق بأصل عمله، وأما ما يعمل فيه: فينبغي أن يقتصر فيه على ما يفهم الشكر لله تعالى من نحو ما تقدم من التلاوة والإطعام والصدقة وإنشاد شيء من المدائح النبوية والزهدية المحركة للقلوب إلى فعل الخير والعمل للآخرة.
    4. السخاوي: "لم يفعله أحد من السلف في القرون الثلاثة, وإنما حدث بعدُ, ثم لا زال أهل الإسلام من سائر الأقطار والمدن يعملون المولد ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات ويعتنون بقراءة مولده الكريم، ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم"
    5. ابن الحاج المالكي: "فكان يجب أن نزداد يوم الاثنين الثاني عشر في ربيع الأول من العبادات والخير شكرا للمولى على ما أولانا من هذه النعم العظيمة وأعظمها ميلاد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم". وقال أيضا: "ومن تعظيمه صلى الله عليه وآله وسلم الفرح بليلة ولادته وقراءة المولد"
    6. ابن عابدين: "اعلم أن من البدع المحمودة عمل المولد الشريف من الشهر الذي ولد فيه صلى الله عليه وآله وسلم". وقال أيضا: "فالاجتماع لسماع قصة صاحب المعجزات عليه أفضل الصلوات وأكمل التحيات من اعظم القربات لما يشتمل عليه من المعجزات وكثرة الصلوات"
    7. الحافظ عبد الرحيم العراقي: "إن اتخاذ الوليمة وإطعام الطعام مستحب في كل وقت فكيف إذا انضم إلى ذلك الفرح والسرور بظهور نور رسول الله في هذا الشهر الشريف ولا يلزم من كونه بدعة كونه مكروها فكم من بدعة مستحبة قد تكون واجبة"
    8. الحافظ شمس الدين ابن الجزري: " قد رؤي أبو لهب بعد موته في النوم فقيل له: ما حالك؟ فقال: في النار إلا أنه يخفف عني كل ليلة اثنين، وأمص من بين أصبعي ماء بقدر هذا- وأشار لرأس أصبعه -، وأن ذلك بإعتاقي لثويبة عندما بشرتني بولادة النبي وبإرضاعها له. فإذا كان أبو لهب الكافر الذي نزل القرآن بذمه جوزي في النار بفرحه ليلة مولد النبي صلى اله عليه وسلم به فما حال المسلم الموحد من أمة النبي يسر بمولده ويبذل ما تصل إليه قدرته في محبته، لعمري إنما يكون جزاؤه من الله الكريم أن يدخله بفضله جنات النعيمة"
    9. أبو شامة (شيخ النووي): "ومن أحسن ما ابتدع في زماننا ما يُفعل كل عام في اليوم الموافق لمولده صلى الله عليه وآله وسلم من الصدقات، والمعروف، وإظهار الزينة والسرور، فإن ذلك مشعرٌ بمحبته صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيمه في قلب فاعل ذلك وشكراً لله تعالى على ما منّ به من إيجاد رسوله الذي أرسله رحمة للعالمين"
    10. الشهاب أحمد القسطلاني (شارح البخاري): "فرحم الله امرءا اتخذ ليالي شهر مولده المبارك أعيادا، ليكون أشد علة على من في قلبه مرض وإعياء داء"
    11. الحافظ شمس الدين بن ناصر الدين الدمشقي: "قد صح أن أبا لهب يخفف عنه عذاب النار في مثل يوم الاثنين لإعتاقه ثويبة سرورًا بميلاد النبي "

    *******

    المعارضون:
    1. ابن تيمية: "اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال إنها ليلة المولد، أو بعض ليالي رجب أو ثامن عشر ذي الحجة أو أول جمعة من رجب أو ثامن من شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف ولم يفعلوها(...)فإن هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضي له، وعدم المانع منه ولو كان خيرا محضا أو راجحا لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله. وتعظيما له منا وهم على الخير أحرص"
    2. الشاطبي: قال في معرض ذكره للبدع المنكرة" ومنها التزام الكيفيات والهيئات المعينة كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد واتخاذ يوم ولادة النبي عيدا وما أشبه ذلك"
    3. تاج الدين الفاكهاني: "لا أعلم لهذا المولد أصلا في كتاب ولا سنّة ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة الذين هم القدوة في الدين المتمسّكون بآثار المتقدمين"
    4. ابن الحاج: "ذلك زيادة في الدين ليس من عمل السلف الماضين، واتباع السلف أولى بل أوجب من أن يزيد نية مخالفة لما كانوا عليه، لأنهم أشد الناس اتباعا لسنة رسول الله وتعظيما له ولسنته ولهم قدم السبق في المبادرة إلى ذلك، ولم ينقل عن أحد منهم أنه نوى المولد ونحن لهم تبع فيسعنا ما وسعهم وقد علم أن اتباعهم في المصادر والموارد"
    *******
    المصادر:
    1. تاريخ الاحتفال بالمولد النبوي من عصر الإسلام الأول إلى عصر فاروق الأول، حسن السندوبي.
    2. تاريخ الاحتفال بمولد النبى  ومظاهره حول العالم، محمد خالد ثابت 
    3. حسن المقصد في عمل المولد.، تأليف: جلال الدين السيوطي
    4. السيرة الحلبية، تأليف: علي بن برهان الدين الحلبي
    5. المدخل عن تعظيم شهر ربيع الأول، تأليف: ابن الحاج(1/361).
    6. الدرر السنية، ص190.
    7. شرح ابن عابدين على مولد ابن حجر.
    8. شرح المواهب اللدنية للزرقاني.
    9. الباعث على إنكار البدع والحوادث، تأليف: أبو شامة.
    10. المواهب اللدنية 
    11. اقتضاء الصراط المستقيم 
    12. الإعتصام للشاطبي 
    13. عمل المولد ص 20 _ 21 نقلا عن التبرك أنواعه وأحكامه ص 362 
    14. المدخل 
    تعدى المحتوى الحالي إلى أعلى الصفحة


    0 التعليقات:

    لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ : المولد النبوي الشريف بين الحقيقة و الوهم (1)

    لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ : المولد النبوي الشريف بين الحقيقة و الوهم

    • تقديم:

    في كل عام يأتي إختلاف يصل إلي حد الخلاف ما بين طرفين متناقضين نفس مسمي الديانة لكن مختلفي الهوي..
    فريقا يبارك و يحتفي بمولد النبي و الرسول الكريم محمد بن عبد الله و فريقا يؤكد أن الأمر ليس ألا بدعة مضلة..
    و تحت الفريقين نجد فرق تصل إلي حد الذروة في التعبير و التعصب في الرأي..
    فما الحقيقة وراء كل ذلك ؟...طبقا للتاريخ الموثق و ليس حكايات الأرامل في الطرقات..

    • تاريخ مولد الرسول في أشهر كتب التاريخ الاسلامي :  

    قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: (وُلِدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، عَامَ الْفِيلِ)
    ابن إسحاق (80 هـ - 151 هـ) مؤرخ من العصرين الأموي والعباسي، إسمه الكامل أبو بكر محمد بن اسحاق بن يسار بن خيار المدني، ويعتبر أول مؤرخ عربي كتب سيرة رسول الإسلام محمد بن عبد الله وأطلق تسمية "سيرة رسول الله" على كتابه .أقدم ما كتب عن سيرة محمد فقد استند عليه كتاب السيرة الذين أتوا بعده مثل ابن هشام والطبري.
    *******
    في كتاب سيرة ابن هشام السيرة النبوية لابن هشام أو سيرة ابن هشام المتوفي سنة (218هـ) ذكر رواية ابن اسحاق فقط.
    *******
    في كتاب الطبقات الكبير لمحمد بن سعد بن منيع البصري الزهري المشهور بابن سعد (168هـ - 230هـ): قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ وَاقِدٍ الأَسْلَمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: وُلِدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الاثْنَيْنِ لِعَشْرِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ.
    قَال: وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: كَانَ أَبُو مَعْشَرٍ نَجِيحٌ الْمَدَنِيُّ يقول: ولد رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الأَوَّلِ.
    *******
    في كتاب تاريخ الرسل و الملوك للطبري (224هـ - 310هـ) لم يرد تاريخ لمولد الرسول الكريم.
    *******
    في كتاب المنتظم في تاريخ الملوك و الأمم لأبو الفرج بن الجوزي (510هـ - 597هـ): قَالَ مؤلف الكتاب: ولد عَلَيْهِ السلام فِي يوم الاثنين لعشر خلون من ربيع الأول عام الفيل  وقيل: لليلتين خلتا منه  وقيل: لإحدى عشرة ليلة خلت منه .
    وَقَالَ ابن عباس: ولد يوم الجمعة يوم الفيل، وكان قدوم الفيل وهلاك أصحابه يوم الأحد لثلاث عشرة ليلة بقيت من المحرم وكان أول المحرم تلك السنة الجمعة وذلك فِي عهد كسرى أنوشروان لمضي اثنتين وأربعين سنة من ملكه.
    *******
    في كتاب الكامل في التاريخ لعز الدين أبي الحسن الجزري الموصلي (555-630 هـ) المعروف بـ ابن الأثير الجزري استند لرواية ابن إسحاق
    *******
    في كتاب البداية و النهاية لابن كثير )701هـ - 774 هـ): (وُلِدَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ غَيْلَانَ بْنِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِيِّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ «أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَقُولُ فِي صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ؟ فَقَالَ: ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَأُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ» .
    وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ عَنْ حَنَشٍ الصَّنْعَانِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَاسْتُنْبِئَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَخَرَجَ مُهَاجِرًا مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَرَفَعَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ، وَرَوَاهُ ابْنُ عُفَيْرٍ، وَابْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ
    وَرَوَى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَهَكَذَا رُوِيَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ وَلِدَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ. وَهَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ أَنَّهُ وُلِدَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ
    ثُمَّ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ
    فَقِيلَ: لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْهُ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِيعَابِ، وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ نَجِيحِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَدَنِيِّ،
    وَقِيلَ: لِثَمَانٍ خَلَوْنَ مِنْهُ. حَكَاهُ الْحُمَيْدِيُّ عَنِ ابْنِ حَزْمٍ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ وَعُقَيْلٌ وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ وَغَيْرُهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ. وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَصْحَابِ التَّارِيخِ أَنَّهُمْ صَحَّحُوهُ، وَقَطَعَ بِهِ الْحَافِظُ الْكَبِيرُ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْخُوَارِزْمِيُّ، وَرَجَّحَهُ الْحَافِظُ أَبُو الْخَطَّابِ ابْنُ دِحْيَةَ فِي كِتَابِهِ التَّنْوِيرِ فِي مَوْلِدِ الْبَشِيرِ النَّذِيرِ.
     وَقِيلَ: لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْهُ نَقَلَهُ ابْنُ دِحْيَةَ فِي كِتَابِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ، وَرَوَاهُ مُجَالِدٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ كَمَا مَرَّ،
    وَقِيلَ: لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْهُ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ عَفَّانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مِينَا عَنْ جَابِرٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا قَالَا: وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفِيلِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ الثَّانِي عَشَرَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَفِيهِ بُعِثُ، وَفِيهِ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَفِيهِ هَاجَرَ، وَفِيهِ مَاتَ. وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
    وَقِيلَ: لِسَبْعَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْهُ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ دِحْيَةَ عَنْ بَعْضِ الشِّيعَةِ،
    وَالْقَوْلُ الثَّانِي; أَنَّهُ وُلِدَ فِي رَمَضَانَ نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ، وَهُوَ قَوْلٌ غَرِيبٌ جِدًّا وَكَانَ مُسْتَنَدُهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أُوحِيَ إِلَيْهِ فِي رَمَضَانَ بِلَا خِلَافٍ، وَذَلِكَ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً مِنْ عُمُرِهِ فَيَكُونُ مَوْلِدُهُ فِي رَمَضَانَ. وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
    وَقَدْ رَوَى خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْحَافِظُ عَنْ خَلَفِ بْنِ مُحَمَّدٍ كُرْدُوسٍ الْوَاسِطِيِّ عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ النُّبُوَّةُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فِي أَوَّلِ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ الْبَقَرَةُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ. وَهَذَا غَرِيبٌ جِدًّا رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ.
    قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ حَمَلَتْ بِهِ أُمُّهُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فِي شِعْبِ أَبِي طَالِبٍ عِنْدَ الْجَمْرَةِ الْوُسْطَى، وَوُلِدَ بِمَكَّةَ بِالدَّارِ الْمَعْرُوفَةِ بِمُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ أَخِي الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ.
    وَرَوَاهُ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ مُكْرَمٍ عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ شَرِيكٍ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: حُمِلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَاشُورَاءَ الْمُحَرَّمِ، وَوُلِدَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ مِنْ غَزْوَةِ أَصْحَابِ الْفِيلِ. وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّ الْخَيْزُرَانَ، وَهِيَ أَمُّ هَارُونَ الرَّشِيدِ لَمَّا حَجَّتْ أَمَرَتْ بِبِنَاءِ هَذِهِ الدَّارِ مَسْجِدًا فَهُوَ يُعْرَفُ بِهَا الْيَوْمَ.
    وَذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ أَنَّ مَوْلِدَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ فِي الْعِشْرِينَ مِنْ نِيسَانَ. وَهَذَا أَعْدَلُ الْأَزْمَانِ وَالْفُصُولِ، وَذَلِكَ لِسَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ لِذِي الْقَرْنَيْنِ فِيمَا ذَكَرَ أَصْحَابُ الزِّيجِ، وَزَعَمُوا أَنَّ الطَّالِعَ كَانَ لِعِشْرِينَ دَرَجَةً مِنَ الْجَدْيِ وَكَانَ الْمُشْتَرِي وَزُحَلُ مُقْتَرِنَيْنَ فِي ثَلَاثِ دَرَجٍ مِنَ الْعَقْرَبِ، وَهِيَ دَرَجَةٌ وَسْطَ السَّمَاءِ وَكَانَ مُوَافِقًا مِنَ الْبُرُوجِ الْحَمَلَ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ طُلُوعِ الْقَمَرِ أَوَّلَ اللَّيْلِ. نَقَلَهُ كُلَّهُ ابْنُ دِحْيَةَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
    *******
    في كتاب تاريخ ابن خلدون المتوفي سنة (088هـ): )ثم ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأوّل، لأربعين سنة من ملك كسرى أنوشروان وقيل لثمان وأربعين(.
    *******
    الخلاصة من المؤرخين:
    الاتفاق التام انه يوم الاثنين و الغالبية شهر ربيع الأول 
    هناك اتفاق عند ابْنُ إسْحَاقَ و ابن هشام و ابن الأثير و ابن كثير (المشهور عند الجمهور) و ابن خلدون انه يوم الاثنين الموافق 12 ربيع الأول 
    عند ابن سعد و ابن الجوزي هو يوم الاثنين الموافق 10 ربيع الأول 
    و عند الشيعة هو يوم الاتنين الموافق 17 ربيع الأول 
    *******

    • هل أحتفل الرسول بمولده؟..

    روى مسلم عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ صَوْمِ الِاثْنَيْنِ فَقَالَ : ( فِيهِ وُلِدْتُ وَفِيهِ أُنْزِلَ عَلَيَّ ) .
    وروى الترمذي وحسنه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ )
    فتبين بما تقدم من الأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم كما صام يوم الاثنين شكرا لنعمة مولده في هذا اليوم ، صامه أيضا لفضله : فقد أنزل عليه الوحي في ذلك اليوم ، فيه تعرض الأعمال على الله ، فأحب صلى الله عليه وسلم أن يرفع عمله وهو صائم ، فمولده الشريف في ذلك اليوم كان سببا من أسباب متعددة لصيام ذلك اليوم .
    لم يحتفي الرسول بيوم 12 أو 10 ربيع الاول بل كان احتفاله بيوم مولده الإثنين من خلال الصوم و التقرب من الله 
    *******
    و للحديث بقية أن شاء الله 
    المصادر:
    سيرة ابن اسحاق 
    سيرة ابن هشام
    الطبقات الكبير لابن سعد 
    تاريخ الرسل و الملوك للطبري
    المنتظم في تاريخ الملوك و الأمم لأبو الفرج بن الجوزي 
    الكامل في التاريخ لعز الدين أبي الحسن الجزري
    البداية و النهاية لابن كثير 
    تاريخ ابن خلدون 
    صحيح مسلم 








    0 التعليقات: