زمن الفتن ( الفتنة الاولي ج 2)

 

ثورة المصريون الاولي علي عثمان بن عفان

كره أهل مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح بعد عمرو بن العاص، واشتغل عبد الله بن سعد عنهم بقتال أهل المغرب، وفتحه بلاد البربر والأندلس وإفريقية‏.‏
و طبقا لرواية الزهري عن سعيد بن المسيب أن أهل مصر جأوا يشكون من عبد الله بن سعد بن ابي السرح , فكتب عثمان خطابا فيه تهديد لإبن أبي السرح , فأبي ابن أبي السرح أن يقبل ما نهاه عنه عثمان , بل و ضرب بعض من أتاه من قبل عثمان من اهل مصر فقتله!!...
و ظهرت بمصر طائفة من أبناء الصحابة يؤلبون الناس على حربه، والإنكار عليه، علي رأسهم محمد بن أبي بكر، ومحمد بن أبي حذيفة حتى استنفرا نحواً من ستمائة راكب، يذهبون إلى المدينة في صفة معتمرين في شهر رجب، لينكروا على عثمان، فساروا إليها تحت أربع رفاق‏ هم عمرو بن بديل بن ورقاء الخزاعي، وعبد الرحمن بن عديس البلوي، وكنانة بن بشر التيجي، وسودان بن حمران السكوني‏.‏
وأقبل معهم محمد بن أبي بكر، وأقام بمصر محمد بن أبي حذيفة يؤلب الناس ويدافع عن هؤلاء، 
وكتب عبد الله بن سعد بن أبي سرح إلى عثمان يعلمه بقدوم هؤلاء القوم إلى المدينة منكرين عليه في صفة المعتمرين‏.
فنزل الثوار المسجد و شكوا إلي الصحابة في مواقيت الصلاة ما صنع ابن أبي السرح بهم 
فقام طلحة بن عبيد الله فكلم عثمان بكلام شديد
و أرسلت أم المؤمنين عائشة إليه فقالت: تقدم إليك أصحاب محمد عليه الصلاة و السلام و سألوك عزل هذا الرجل فابيت؟!. فهذا قد قتل منهم رجلا فأنصفهم من عاملك (تقصد عبد الله بن أبي السرح)
و دخل عليه علي بن أبي طالب فقال: إنما يسألونك رجلا مكان رجلا, و قد ادعوا قبله دما, فاعزله عنهم و اقض بينهم فإن وجب عليه حق فأنصفهم منه
فأمر عثمان علي بن أبي طالب أن يخرج إليهم ليردهم إلى بلادهم قبل أن يدخلوا المدينة‏.‏
وخرج معه جماعة الأشراف وأمره أن يأخذ معه عمار بن ياسر‏.‏
فقال علي لعمار، فأبى عمار أن يخرج معه، فبعث عثمان سعد بن أبي وقاص أن يذهب إلى عمار ليحرضه على الخروج مع علي إليهم، فأبى عمار كل الإباء وامتنع أشد الامتناع،وذلك بسبب شتمه عباس بن عتبة بن أبي لهب فأدبهما عثمان فتأمر عمار عليه لذلك، وجعل يحرّض الناس عليه، فنهاه سعد بن أبي وقاص عن ذلك ولامه عليه، فلم يقلع عنه، ولم يرجع ولم ينزع، 

مناظرة الامام علي بن ابي طالب للثوار في حق أمير المؤمنين عثمان بن عفان 

انطلق علي بن أبي طالب إليهم، وهم بالجُحفة، وكانوا يعظمونه ويبالغون في أمره فردهم، وانبهم وشتمهم، فرجعوا على أنفسهم بالملامة‏.‏
قال علي بن ابي طالب ‏:‏ أنه ناظرهم في عثمان، وسألهم ماذا ينقمون عليه،
فذكروا أشياء‏.‏منها‏:‏
1) أنه حمى الحمى،
2) أنه حرق المصاحف، 
3) أنه أتم الصلاة بمكه
4) أنه أولى الأحداث الولايات، وترك الصحابة الأكابر،
5) أعطى بني أمية أكثر من الناس‏.‏
فأجاب علي عن ذلك، 
1) أما الحمى فإنما حماه لا بل الصدقة لتسمن، ولم يحمه لإبله ولا لغنمه، وقد حماه عمر من قبله‏.‏
2) أما المصاحف فإنما حرق ما وقع فيه اختلاف، وأبقى لهم المتفق عليه، 
3) أما إتمامه الصلاة بمكة فإنه كان قد تأهل بها ونوى الإقامة فأتمها‏.‏
4) أما توليته الأحداث فلم يول إلا رجلاً سوياً عدلاً، وقد ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد على مكة، وهو ابن عشرين سنة، وولى أسامة بن زيد بن حارثة‏.‏وطعن الناس في أمارته فقال‏:‏ إنه لخليق بالإمارة
5) أما إيثاره قومه بني أمية، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤثر قريشاً على الناس، ووالله لو أن مفتاح الجنة بيدي لأدخلت بني أمية إليها‏.‏
ويقال‏:‏ أنهم عتبوا عليه في عمار، ومحمد بن أبي بكر فذكر عثمان عذره في ذلك، وأنه أقام فيهما ما كان يجب عليهما‏.‏
وعتبوا عليه في إيوائه الحكم بن أبي العاص وقد نفاه إليها، قال‏:‏ فقد نفاه رسول الله صلى إلى الطائف، فذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد نفاه إلى الطائف، ثم رده، ثم نفاه إليها‏.‏
قال‏:‏ فقد نفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رده، ورُوي أن عثمان خطب الناس بهذا كله بمحضر الله عليه وسلم من الصحابة، وجعل يستشهد بهم فيشهدون له فيما فيه شهادة له‏.‏

حوار علي بن ابي طالب مع عثمان بن عفان 

 ورجع علي إلى عثمان فأخبره برجوعهم عنه وسماعهم منه‏.‏
و طبقا لرواية الواقدي , إن علياً جاء عثمان بعد انصراف المصريين، فقال له‏:‏ تكلم كلاماً تسمعه الناس منكم، ويشهدون عليك، ويشهد الله على ما في قلبك من النزوع والإنابة، فإن البلاد قد تمخضت عليك، ولا آمن رِكْباً آخرين يقدمون من قبل الكوفة، فتقول‏:‏ يا علي اركب إليهم، ويقدم آخرون من البصرة، فتقول‏:‏ يا علي اركب إليهم، فإن لم أفعل قطعت رحمك، واستخففت بحقك‏.‏
وأشار على عثمان أن يخطب الناس خطبة يعتذر إليهم فيها مما وقع من الأثرة لبعض أقاربه، ويشهدهم عليه بأنه تاب من ذلك، وأناب إلى الاستمرار على ما كان عليه من سيرة الشيخين قبله، وأنه لا يحيد عنها كما كان الأمر أولاً في مدة ست سنين الأول‏.‏
فاستمع عثمان هذه النصيحة، وقابلها بالسمع والطاعة،

خطبة عثمان بن عفان

 ولما كان يوم الجمعة فخرج عثمان فخطب الخطبة التي نزع فيها، وأعلم الناس من نفسه التوبة، فقام فحمد الله، وأثنى عليه بما هو أهله‏.‏
ثم قال‏:‏ أما بعد، أيها الناس، فوالله ما عاب من عاب شيئاً أجهله، وما جئت شيئاً إلا وأنا أعرفه، ولكن ضل رشدي، ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏من زل فليتب، ومن أخطأ فليتب، ولا يتمادى في الهلكة، إن من تمادى في الجور كان أبعد عن الطريق‏)‏‏)‏‏.‏ ‏
فأنا أول اتعظ استغفر الله مما فعلت، وأتوب فمثلي نزع وتاب، فإذا نزلت فليأتني أشرافكم، فوالله لأكونن كالمرقوق إن مُلك صبر، وإن عُتق شكر، وما عن الله مذهب إلا إليه‏.‏
‏فرق الناس له، وبكى من بكى‏.‏
وقام إليه سعيد بن زيد، فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين‏!‏ ألله الله في نفسك‏!‏ فأتمم على ما قلت‏.‏ وأشهد عثمان الناس على نفسه بذلك، وأنه قد لزم ما كان عليه الشيخان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، وأنه قد سبل بابه لمن أراد الدخول عليه لا يمنع أحد من ذلك، ونزل فصلى بالناس‏.‏ ثم دخل منزله، وجعل من أراد الدخول على أمير المؤمنين لحاجة أو مسألة أو سؤال لا يمنع أحد من ذلك مدة‏.‏

مصير الثوار و رد فعلهم

ويروى‏ أن الثوار بعثوا طائفة منهم فشهدوا خطبة عثمان هذه، فلما تمهدت الأعذار، وانزاحت عللهم ولم يبق لهم شبهة، أشار جماعة من الصحابة على عثمان بتأديبهم، فصفح عنهم رضي الله عنه‏.‏وردهم إلى قومهم فرجعوا خائبين من حيث أتوا، ولم ينالوا شيئاً مما كانوا أملوا وراموا 
و في رواية سعيد بن المسيب أن عثمان اجتمع بهم فقال لهم : اختاروا رجلا أوليه عليكم مكان عبد الله بن أبي السرح , فاشار الناس عليه بمحمد بن أبي بكر 
فكتب عهده و ولاه و خرج معهم عدد من المهاجرين و الأنصار ينظرون فيما بين أهل مصر و ابن أبي السرح

مروان بن الحكم يشعل الفتنة 

فلما انصرف عثمان إلى منزله وجد به جماعة من أكابر الناس، وجاءه مروان بن الحكم فقال‏:‏ أتكلم يا أمير المؤمنين، أم أصمت ‏؟‏‏.‏
فقالت زوجة عثمان - نائلة بنت الفرافصة الكلبية - من وراء الحجاب‏:‏ بل اصمت، فوالله إنهم لقاتلوه، ولقد قال مقالة لا ينبغي النزوع عنها‏.‏
فقال لها‏:‏ وما أنت وذاك‏!‏ ‏؟‏فوالله لقد مات أبوك وما يحسن أن يتوضأ‏.‏
فقالت له‏:‏ دع ذكر الآباء، ونالت من أبيه الحكم، فأعرض عنها مروان، وقال لعثمان‏:‏ يا أمير المؤمنين أتكلم أم أصمت ‏؟‏‏.‏
فقال له عثمان‏:‏ بل تكلم‏.‏
فقال مروان‏:‏ بأبي أنت وأمي، لوددت أن مقالتك هذه كانت وأنت مُمنع منيع، فكنت أول من رضي بها، وأعان عليها، ولكنك قلت ما قلت حين جاوز الحزام الطبيين، وبلغ السيل الزبا، وحين أعطى الخطة الذليلة الذليل‏.‏والله لإقامة على خطيئة يستغفر منها خير من توبة خوف عليها، وإنك لو شئت لعزمت التوبة، ولم تقرر لنا بالخطيئة، وقد اجتمع إليك على الباب مثل الجبال من الناس‏.‏
فقال عثمان‏:‏ قم فاخرج إليهم فكلمهم، فإني استحي أن أكلمهم‏.‏
قال‏:‏ فخرج مروان إلى الباب والناس يركب بعضهم بعضاً‏.‏
فقال‏:‏ ما شأنكم كأنكم قد جئتم لنهبٍ، شاهت الوجوه، كل إنسان آخذ بأذن صاحبه، ألا من أريد جئتم تريدون أن تنزعوا ملكنا من أيدينا، اخرجوا عنا أما والله لئن رمتمونا ليمرن عليكم أمر يسؤكم ولا تحمدوا غبه، ارجعوا إلى منازلكم، فوالله ما نحن مغلوبين على ما بأيدينا‏.‏

غضب علي بن ابي طالب من عثمان بن عفان

فرجع الناس، وخرج بعضهم حتى أتى علياً فأخبره الخبر، فجاء علي مغضباً حتى دخل على عثمان‏.‏
فقال‏ علي :‏ أما رضيت من مروان ولا رضي منك إلا بتحويلك عن دينك وعقلك ‏؟‏‏!‏ وإن مثلك مثل جمل الظعينة سار حيث يسار به، والله ما مروان بذي رأي في دينه ولا نفسه، وأيم والله إني لأراه سيوردك، ثم لا يصدرك، وما أنا بعائد بعد مقامي هذا لمعاتبتك، أذهبت سوقك، وغلبت أمرك‏.‏
فلما خرج علي، دخلت نائلة على عثمان فقالت‏:‏ أتكلم أو أسكت ‏؟‏‏.‏
فقال‏:‏ تكلمي‏.‏
فقالت‏:‏ سمعت قول علي إنه ليس يعاودك، وقد أطعت مروان حيث شاء‏.‏
قال‏:‏ فما أصنع ‏؟‏‏.‏
قالت‏:‏ تتقي الله وحده لا شريك له، وتتبع سنة صاحبيك من قبلك، فإنك متى أطعت مروان قتلك، ومروان ليس له عند الله قدر ولا هيبة ولا محبة، فأرسل إلى علي فاستصلحه فإن له قرابة منك، وهو لا يُعصى‏.
قال‏:‏ فأرسل عثمان إلى علي فأبى أن يأتيه، وقال‏:‏ لقد أعلمته أني لست بعائد‏.‏
قال‏:‏ وبلغ مروان قول نائلة فيه، فجاء إلى عثمان فقال‏:‏ أتكلم أو أسكت ‏؟‏‏.‏
فقال‏:‏ تكلم‏.‏
فقال‏:‏ إن نائلة بنت الفرافصة‏.‏
فقال عثمان‏:‏ لا تذكرها بحرف فأسوء إلى وجهك، فهي والله أنصح لي منك‏.‏
قال‏:‏ فكف مروان‏.‏

و للحديث بقية 


0 التعليقات: