زمن الفتن (الفتنة الأولي ج 1)


تمهيد

اليوم الجمعة الثامن عشر من ذي الحجة سنة 35 هجرية
الامير مصاب في داره و اصحابه لزموا بيوتهم 
الغضب متصاعد
الحصار مستمر لمدة أكثر من شهر
الثوار يصرخون ..ينادون يتشددون في مطالبهم لدرجة ان يعزل الامير نفسه أو تسليم ابن عمه لهم.
الغضب يتصاعد أكثر..
الدماء تغلي في العروق أكثر فأكثر..
و النتيجة ؟..
قتلوا أمير المؤمنين عثمان بن عفان في داره!!..
 نعم كانت فتنة أولي..
لكنها فتحت الباب أمام الفتنة الكبري 

مقدمة الفتنة الاولي في الاسلام

قال سعيد بن المسيب عن عثمان بن عفان: قتل عثمان مظلوما و من قتله كان ظالما و من خذله كان معذورا!!...
تولي عثمان بن عفان رضي الله عنه ولاية المسلمين 12 عام منهم 6 سنوات لا ينقم الناس عليه بل كان مقربا و محبوبا اكثر لقريش من عمر بن الخطاب لأن عمر كان شديدا عليهم بينما عثمان لان لهم و وصلهم , لكن تواني بعد ذلك في امرهم  و استعمل أهل بيته و اقاربه من بني أمية في الستة الاواخر من فتره حكمه , لكن امرائه كان يفعلون أشياء ينكرها أصحاب الرسول عليه الصلاة و السلام , و كان عثمان يستعتب فيهم فلا يعزلهم!!..
عثمان بن عفان رضي الله عنه كانت مشكلته أنه لجأ لأهل الثقة و فضلهم علي اهل الكفاءة عكس ما كان يفعل الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه 
مشكلة لم يهتم بها عثمان بن عفان كثيرا و ربما حاول معالجتها بكياسته المعهودة لكنها للأسف ادت في النهاية الي مقتله 

بداية الفتنة

سنة 34 هجرية 
تكاتب المنحرفون عن طاعة عثمان بن عفان أمير المؤمنين و كان جمهورهم من أهل الكوفة و قد ثاروا علي سعيد بن العاص امير الكوفة و نالوا منه و من عثمان , و بعثوا إلي عثمان من يناظره فيما فعل و فيما اعتمد علي عزل كثير من الصحابة و تولية جماعة من بني أمية من أقرابه و أغلظوا له في القول و طالبوا منه أن يعزل عماله و يستبدل أئمة غيرهم من السابقين و من الصحابة , حتي صعب ذلك علي أمير المؤمنين فطلب مشوره أمراء الاجناد فكان رأيهم كالتالي:
عبد الله بن عامر أمير البصرة : أشار أن يشغلهم بالغزو و الحروب حتي يتفرقوا فيما ينفع
سعيد بن العاص أمير الكوفة: أشار بأن يقتلهم
معاوية بن أبي سفيان أمير الشام : أشار أن لا يلتفت الي هولاء لانهم أقل و اضعف جندا
عبد الله بن سعد بن أبي السرح أمير المغرب : أشار بأن يعطيهم المال ما يكف به شرهم
أما عمرو بن العاص أمير مصرفقال : أما بعد يا عثمان فإنك قد ركبت الناس ما يكرهون فأما أن تعزل عنهم ما يكرهون , و إما أن تقدم فتنزل عمالك علي ما هم عليه, و قال كلاما فيه غلظة ثم اعتذر اليه في السر
قرر عثمان أن يالف قلوب أولئك بالمال و أمر بأن يبعثوا الي الغزو الي الحدود
لكن عند عودة سعيد بن العاص الي الكوفة رفض أهل الكوفة دخوله المدينة و لبسوا السلاح و حلفوا أن لا يمكنوه من دخول الكوفة حتي يعزله عثمان و يولي عليهم أبا موسي الاشعري (والي البصرة سابقا الذي عزله عثمان سنة 29 هجرية) فكانت ان النتيجة ان رجع سعيد بن العاص الي المدينة و كسر الفتنة وتم تولية أبا موسي الاشعري ولاية الكوفة 
معني هذا أن عثمان بن عفان وافق علي رأي الثوار في النهاية في عزل سعيد بن العاص علي الرغم من أنها لم تكن رغبته 

حوار عثمان بن عفان و علي بن ابي طالب حول الفتنة 

كلم الناس علي بن أبي طالب أن يدخل على عثمان فدخل عليه..
فقال علي‏:‏ إن الناس ورائي، وقد كلموني فيك، ووالله ما أدري ما أقول لك، وما أعرف شيئاً تجهله، ولا أدلك على أمر لا تعرفه، إنك لتعلم ما نعلم، ما سبقناك إلى شيء فنخبرك عنه، ولا خلونا بشيء فنبلغكه، وما خصصنا بأمور خفي عنك إدراكها، وقد رأيت وسمعت وصحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ونلت صهره، وما ابن أبي قحافة بأولى بعمل الحق منك، ولا ابن الخطاب بأولى بشيء من الخير منك، وإنك أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رحماً، ولقد نلت من صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم ينالا، ولا سبقاك إلى شيء، فالله الله في نفسك، فإنك والله ما تبصر من عمي، ولا تعلم من جهل‏.‏ وإن الطريق لواضح بين، وإن أعلام الدين لقائمة، تعلم يا عثمان أن أفضل عباد الله عند الله إمام عادل، هدي وهدى، فأقام سنة معلومة، وأمات بدعة معلومة، فوالله إن كلاً لبين، وإن السنن لقائمة لها أعلام، وإن البدع لقائمة لها أعلام، وإن شر الناس عند الله إمام جائر ضل وأضل به، فأمات سنة معلومة، وأحيا بدعة متروكة، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏يؤتى يوم القيامة بالإمام الجائر، وليس معه نصير ولا عاذر فيلقى في جهنم فيدور فيها كما تدور الرحا، ثم يرتطم في غمرة جهنم‏)‏‏)‏‏.‏

وإني أحذرك الله، وأحذرك سطوته ونقمته، فإن عذابه أليم شديد، واحذر أن تكون إمام هذه الأمة المقتول، فإنه كان يقال‏:‏ يقتل في هذه الأمة إمام فيفتح عليها القتل والقتال إلى يوم القيامة، وتلبس أمورها عليها، ويتركون شيعاً لا يبصرون الحق من الباطل، يموجون فيها موجاً، ويمرحون فيها مرحاً‏.‏
فقال عثمان‏:‏ قد والله علمت لتقولن الذي قلت، أما والله لو كنت مكاني ما عنفتك، ولا أسلمتك، ولا عبت عليك، ولا جئت منكراً، إني وصلت رحماً، وسددت خلة، وآويت ضائعاً، ووليت شبيهاً بمن كان عمر يولي، أنشدك الله يا علي، هل تعلم أن المغيرة بن شعبة ليس هناك‏؟‏
قال علي‏:‏ نعم‏!‏
قال عثمان ‏:‏ فتعلم أن عمر ولاه‏؟‏
قال علي ‏:‏ نعم‏!‏
قالعثمان ‏:‏ فلم تلوموني أن وليت ابن عامر في رحمه وقرابته ‏؟‏‏.‏
فقال علي‏:‏ سأخبرك أن عمر كان كلما ولى أميراً فإنما يطأ على صماخيه‏؟‏ وأنه إن بلغه حرف جاء به، ثم بلغ به أقصى الغاية في العقوبة، وأنت لا تفعل ضعفت ورفقت على أقربائك‏.‏
فقال عثمان‏:‏ هم أقرباؤك أيضاً‏.‏
فقال علي‏:‏ لعمري إن رحمهم مني لقريبة، ولكن الفضل في غيرهم‏.‏
قال عثمان‏:‏ هل تعلم أن عمر ولى معاوية خلافته كلها، فقد وليته‏.‏
فقال علي‏:‏ أنشدك الله، هل تعلم أن معاوية كان أخوف من عمر من يرفأ غلام عمر منه‏؟‏
قال‏ عثمان :‏ نعم‏!‏
قال علي‏:‏ فإن معاوية يقطع الأمور دونك، وأنت تعلمها، ويقول للناس‏:‏ هذا أمر عثمان، فليبلغك فلا تنكر ولا تغير على معاوية‏
ثم خرج علي من عنده 
كانت وجهة نظر عثمان بن عفان واضحة انه كان يولي ولاة ليسوا اقل كفاءة من ولاة عمر بن الخطاب, لكن الامام علي أشار اليه ان ولاته ليسوا تحت سيطرته مثلما كان الحال مع الفاروق عمر 

خطبة عثمان بن عفان في الناس:

قال عثمان‏:‏ ألا فقد والله عبتم علي بما أقررتم به لابن الخطاب، ولكنه وطئكم برجله، وضربكم بيده، وقمعكم بلسانه، فدنتم له على ما أحببتم أو كرهتم، ولنت لكم وأوطأت لكم كتفي، وكففت يدي ولساني عنكم، فاجترأتم علي‏.‏

أما والله لأنا أعز نفراً وأقرب ناصراً وأكثر عدداً، وأقمن أن قلت هلم إلي، ولقد أعددت لكم أقرانكم، وأفضلت عليكم فضولاً، وكشرت لكم عن نابي، فأخرجتم مني خلقاً لم أكن أحسنه، ومنطقاً لم أنطق به، فكفوا ألسنتكم وطعنكم، وعيبكم على ولاتكم فإني قد كففت عنكم من لو كان هو الذي يليكم لرضيتم منه دون منطقي هذا، ألا فما تفقدون من حقكم‏؟‏ فوالله ما قصرت في بلوغ ما كان يبلغ من كان قبلي‏.‏
ثم اعتذر عما كان يعطي أقرباءه بأنه من فضل ماله‏.‏
فقام مروان بن الحكم فقال‏:‏ إن شئتم والله حكمنا بيننا وبينكم السيف، نحن والله وأنتم، كما قال الشاعر‏:‏
فرشنا لكم أعراضنا فنبت بكم * مغارسكم تبنون في دِمِنِ الثرى
فقال عثمان‏:‏ اسكت لا سكت، دعني وأصحابي ما منطقك في هذا، ألم أتقدم إليك أن لا تنطق‏.‏
فسكت مروان ونزل عثمان رضي الله عنه‏.‏

عرض معاوية بن ابي سفيان لعثمان بن عفان:

أن معاوية لما ودعه عثمان حين عزم على الخروج إلى الشام عرض عليه أن يرحل معه إلى الشام فإنهم قوم كثيرة طاعتهم للأمراء‏.‏
فقال‏ عثمان :‏ لا أختار بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم سواه‏.
فقال معاوية ‏:‏ أجهز لك جيشاً من الشام يكونون عندك ينصرونك ‏؟‏‏.‏
فقال‏ عثمان :‏ إني أخشى أن أضيق بهم بلد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه من المهاجرين والأنصار‏.‏
قال معاوية‏:‏ فوالله يا أمير المؤمنين لتغتالن - أو قال‏:‏ لتغزين -‏.‏
فقال عثمان‏:‏ حسبي الله ونعم الوكيل‏.‏
ثم خرج معاوية من عنده وهو متقلد السيف وقوسه في يده، فمر على ملأ من المهاجرين والأنصار فيهم علي بن أبي طالب، وطلحة، والزبير، فوقف عليهم واتكأ على قوسه، وتكلم بكلام بليغ يشتمل على الوصاة بعثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه، والتحذير من إسلامه إلى أعدائه، ثم انصرف ذاهباً‏.‏
فقال الزبير‏:‏ ما رأيت أهيب في عيني من يومه هذا‏.‏

عزل عمرو بن العاص عن ولاية مصر

وكان سبب ذلك‏:‏ أن الخوارج من المصريين كانوا محصورين من عمرو بن العاص، مقهورين معه لا يستطيعون أن يتكلموا بسوء في خليفة ولا أمير، فما زالوا حتى شكوه إلى عثمان لينزعه عنهم، ويولي عليهم من هو ألين منه‏.‏
فلم يزل ذلك دأبهم حتى عزل عمراً عن الحرب، وتركه على الصلاة، وولى على الحرب والخراج عبد الله بن سعد بن أبي سرح‏.‏
ثم سعوا فيما بينهما بالنميمة فوقع بينهما، حتى كان بينهما كلام قبيح‏.‏ فأرسل عثمان فجمع لابن أبي سرح جميع عمالة مصر، خراجها وحربها وصلاتها‏.‏
 وبعث إلى عمرو يقول له‏:‏ لا خير لك في المقام عند من يكرهك، فأقدم إليّ، فانتقل عمرو بن العاص إلى المدينة وفي نفسه من عثمان أمرٌ عظيم وشرٌ كبير، فكلمه فيما كان من أمره بنفس، وتقاولا في ذلك، وافتخر عمرو بن العاص بأبيه على عثمان، وأنه كان أعز منه‏.‏
 فقال له عثمان‏:‏ دع هذا، فإنه من أمر الجاهلية‏.‏
وجعل عمرو بن العاص يؤلب الناس على عثمان‏.‏
وكان بمصر جماعة يبغضون عثمان ويتكلمون فيه بكلام قبيح على ما قدمنا، وينقمون عليه في عزله جماعة من عِلية الصحابة، وتوليته من دونهم، أو من لا يصلح عندهم للولاية‏.‏
و للحديث بقية



0 التعليقات: